<DIV align="center">
<FONT color="#ff00ff">
وبعد تحطم الدبابات المصرية يوم 14 تشرين أول، قررت هيئة الأركان أنه آن الأوان للتقدم، وسمحوا لنا في الليلة نفسها أن نعبر بفرقتنا من المكان الذي دخلته فرقة الاستكشاف، وكان على المظليين أن يرسوا على الضفة الغربية بقواربهم المطاطية، ويحتلوا القطاع، لإنشاء جسر بين الضفتين، حيث تعبر فرقة عسكرية القناة إلى الأرض المصرية، وتتقدم جنوباً على طول الضفة الغربية للبحيرة المرة حتى قناة السويس.
كنت في وسط الميدان، وما شعرت قط بأني معزول، وقد أرسلت المعدات والتجهيزات والوقود والدبابات إلى وجهتها، ولم أعر النداءات المسعورة التي كانت تطلقها القيادة العامة للجبهة: أنتم معزولون ! أنتم مطوقون ! وكان المصريون بحالة صدمة، وكان عليهم أن يفهموا أنهم وقعوا في الفخ.
كدت أصفع بارليف على وجهه:
وفي مركز التنسيق بين كثبان الرمل على بعد بضعة كيلو مترات من القناة، كان بانتظاري موشيه دايان، وحاييم بارليف، ودافيد أليعازر، وأبراهام أدان، استقبلت بصمت مطلق، وبدون يد ممدودة، وأخيراً فتح بارليف فمه ليقول: الهامش كبير جداً بين ما وعدت به من فعل وما فعلته.
وعندما سمعت هذه الجملة، قلت في نفسي: إن الجواب الوحيد على ذلك هو صفع بارليف على وجهه، لقد شعرت بحاجة لا تقاوم إلى توجيه صفعة إليه، ولا أزال حتى اليوم أجهل كيف استطعت السيطرة على أعصابي.
عملية تلفزيونية:
وعندما وصف الرئيس السادات عملية العبور بأنها عملية تلفزيونية، وإخراج تم لإحداث نتيجة دراماتيكية عابرة، كان الجيش الثالث شبه مطوق، وكانت قواتي على بعد مئة كيلو متر من القاهرة، وقد بلغت أبواب الإسماعيلية.
ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مساء 22 تشرين الأول، وحل الصمت بعد ستة عشر يوماُ من الجحيم.
لم تتركني السياسة وشأني :
تركت كل الاهتمامات غير العسكرية عندما أعلنت التعبئة العامة، غير أن السياسة لم تتركني وشأني، وفي أثناء الحرب لمس الجميع بعدها السياسي، حتى في الأيام التي كانت فيها أرواحنا رهن نهايتها، ولم آت بجديد ولا بمستهجن في جمعي السياسة إلى القيادة العسكرية، فقد ارتقى القادة العسكريون في إسرائيل درجات السياسة كلها، لأن النظام سعى في استمرار إلى وضع ضباط ينتمون إلى حزب العمل في مناصب الجيش المرموقة، فإذا بي أقلب المعهود رأساً على عقب بصفتي رئيساً عسكرياً ورجل سياسة جاء من بين صفوف المعارضة، وسرعان ما أبدى حيالي زملائي العسكريون، وجميعهم تقريباً أعضاء فاعلون في حزب العمل، أو مشمولون برعايته تعارضاً عميقاً.
اشتدت معارضتي لحزب العمل :
اشتدت معارضتي لحزب العمل بعد حرب أكتوبر لأن قادة الجيش أدخلوا الاعتبارات السياسية في القرارات العسكرية، فأبان الحرب كنت أعتبر سحق المصريين والسوريين أكثر الأمور إلحاحاً، باعتبار أننا سنحظى فيما بعد بمتسع من الوقت لنتجابه في الحلبة السياسية، وكنت أهاجم من كان يسعى للتقليل من أعمال فرقتي، ولم أوافق في مفاوضات جنيف حين عرض حزب العمل موقفه على أنه الحل الوحيد الممكن، ورفضت الشعار الذي طرحه في الانتخابات: من يصوت لحزب العمل يصوت للسلام.
انتخبت نائباً في قائمة الليكود:
أرجئت الانتخابات إلى 31 كانون الأول فطلب مني قادة (الليكود) أن أستعيد مكاني على رأس حملة الحزب الانتخابية، ولم أكن متشوقاً إلى مغادرة الجبهة، وكنت أفضل البقاء على رأس فرقتي، ومع أنني كنت غائباً فقد حقق (الليكود) 39 مقعداً، وكان أحد المقاعد من نصيبي، وفي نهاية كانون ثاني تركت الجيش لأقسم اليمين في البرلمان، إلا أنني قدمت استقالتي بعد أن أصدر مجلس الوزراء مرسوماً يمنع النائب من أداء مهام ضابط أعلى إحتياطي ميداني، واعتبرت هذا القرار تصفية حسب ضد شارون، ورجعت إلى المزرعة.
استولى علي شيطان السياسة:
مع اقتراب انتخابات 1977 استولى علي من جديد شيطان السياسة، فقد تصدرت عشية الانتخابات قضايا الفساد، ومخلفات حرب الغفران، وأجمع الرأي أن حزب العمل لم يعد على المستوى الذي يخوله إنجاز مثل هذه المهمة الوطنية، ولم تكن علاقاتي مع ساسة الأحزاب دافئة، وفشلت في توحيد (الليكود) ولم يكن أمامي سوى إنشاء حزبي الخاص، ودعوت الناخبين إلى الانتساب إلى حركة أطلقت عليها: (شلومتسيون) أي سلام صهيون.
فشلت في الاتفاق مع (شامير) في ضم حزب (شلومتسيون) إلى (الليكود) ومع ذلك وجه بيكن رسالة إلى الناخبين: إذا أردتم أرييل صوتوا لليكود.
وكانت النتيجة انتصار الليكود، وهزيمة حزب العمل، بعد تسعة وعشرين عاماً من السلطة، أما (شلوموتسيون) فقد أحرز مقعدين، وأصبحت إسرائيل أخيراً ثنائية الحزب.
وانصهر (شلومتسيون) في حزب (حيروت) وتسلمت حقيبة وزارة الزراعة، وإدارة شؤون الاستيطان.
<DIV align="center"><DIV align="center"><FONT color="#ff00ff">
سياسة الاستيطان والاعمار:
كانت أولى المشكلات الموضوعة أمامي هي مشكلة المستوطنات، فقد كنت ـ قبل أن أصبح وزيراً ـ أجوب المناطق، وأضع الخطوط العريضة لمشروع يستهدف استثمار الأراضي في اليهودية والسامرة، ولم يخطر على بالي التنازل عنها لصالح الأردن، لأنهما لم تكونا يوماً أرضاً أردنية، فحكاية الاحتلال الأردني هذا كتبها دم اليهود.
وخلال اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان، وبعد بسط خريطة كبيرة لهذه الأراضي، دعوتهم لمواجهة ثلاث مشاكل، الأولى: تتمثل في أمن الساحل الإسرائيلي الضيق الذي بات من الصعب الدفاع عنه وفقاً لحدود 1967 ، وما تشكله جبال اليهودية والسامرة التي تشرف على السهل الساحلي من خطر، وأنه لا بد من تشييد وحدات سكنية مدنية ومجموعات صناعية، على المرتفعات المشرفة على السهل الساحلي.
أما المشكلة الثانية فهي: في الحدود نفسها، فمشاكل الدفاع شرقاً تبلغ من الفداحة ما لا تبلغه في أي مكان آخر، وهذا يستلزم بناء خط من المستعمرات على طول طريق وادي الأردن، وسهل بيت شان على البحر الميت، وتشييد قرى أخرى على الروابي، وشق الطرق الشرقية الغربية، على طول المحاور الاستراتيجية.
وتتمثل المشكلة الثالثة في القدس، والسؤال المطروح: كيف نحافظ على القدس كعاصمة للشعب اليهودي الأبدية ؟ وكيف نحافظ على أمنها، ونوفر غالبية يهودية فيها ؟
واقترح على اللجنة تشييد سلسلة من المساكن المدنية التي تحيط بالضواحي والأحياء العربية على شكل حدوة حصان.
ووافق الوزراء على مشروع الاستيطان الأساسي، وبدأت الجرافات تشق الطرقات، وتعد أماكن القرى، وتلقيت الضوء الأخضر لبناء ثلاث مستوطنات كل شهر، ونزل شبان (غوش ايمونيم) أو كتلة الإيمان معترك العمل.
لقد كانت سياسة الاستيطان والاعمار التي اقترحتها وأنا أشغل منصب وزارة الزراعة مستوحاة من مبدأين: الدفاع عن تجمعات البلاد السكنية، وضمان حق اليهود في العيش داخل حدود إسرائيل التاريخية.<DIV align="center">
<FONT color="#ff00ff">ضرب المفاعل النووي العراقي :
كم رغبنا أنا وزوجتي (ليلي) في تمديد إقامتنا في وادي الملوك الزاخر بآثار فنية تركها الفراعنة، بعد مشاهدة معبد الكرنك بأعمدته المذهلة وكتاباته التي تروي قصة الحملة التي شنها الفرعون لمعاقبة مملكتي إسرائيل ويهوذا في عهد (رحبعهام بن سليمان)، فالكتابات الهيروغليفية تحكي القصة نفسها كما ترويها التوراة، وتذكر أسماء المدن الإسرائيلية التي استولى عليها المصريون، ولكن لا مناص من العودة.
فالحكومة الإسرائيلية قررت شن غارة نهار الأحد على المفاعل النووي (أوزيراك) الذي كان لا يزال في طور الإنشاء في محيط بغداد، فعبرت النفق الجديد الذي بناه المصريون حديثاً شمال مدينة السويس، هذا الإنجاز التقني الذي بعث الفخر في نفس السادات الذي أصر على أن أراه بنفسي.
وكان الوقت يمر بسرعة قبل شن الهجوم على المفاعل العراقي، بينما كانت الاستعدادات للقاء القمة بين بيغن والسادات في العريش تجري ببطء، أي قبل ثلاثة أيام فقط من التاريخ المحدد للعملية.
فقد قررت الحكومة بعد مناقشات مطولة تدمير المفاعل قبل احتدام نشاطه، وكنت أعتبر بعض أعمال جيراننا غير المقبولة لدى إسرائيل خطوطاً حمراء، وحيازة الدول العربية للأسلحة النووية خط من هذه الخطوط، وكنت أرفض منطق توازن الرعب النووي.
وفي قاعة مجلس الوزراء بمبنى الكنيست قلت لهم: علينا تدمير المفاعل النووي بكل ما أوتينا من قوة نار، إنها مسألة حيوية بالنسبة إلى إسرائيل.
وبعد ظهر الأحد 7حزيران 1980 أقلعت طائرة إف 15 وإف 16 من قواعدها في (أتسيون)، وبعد مضي قرابة نصف ساعة وفيما أصبحت الحدود العراقية على مرأى منها، عقدت الحكومة اجتماعاً في مسكن بيغن، وبينما كانت إمارات التوتر ترتسم على الوجوه، ولا سيما وجه بيغن، زف إلينا بالهاتف (رفول إيتن) نبأ النجاح الباهر الذي أحرزته العملية.
ثورة السفرديم :
خرج الليكود في انتخابات 1981 منتصراً على حزب العمل بفارق طفيف، ويتمثل العامل الأهم وراء هذا الفوز في نظر شارون بالثورة الثانية التي شهدها المجتمع الإسرائيلي خلال سنوات حكم بيغن الأربع، ألا وهي (ثورة السفرديم) فقد أحس شعب السفرديم الشرقيين أنه أوشك على تحقيق المساواة مع مجتمع (الأشكيناز)، ووجدوا أنفسهم يستفيدون من منافع ويتمتعون بفرص لم يعهدوها من قبل، وفيما راح حزب العمل يتقدم في السن ظهر قادة شبان في صفوف الليكود، تحدروا عموماً من السفرديم.
<FONT color="#ff00ff"><FONT color="#ff00ff"><STRONG>محوت مدينة ياميت :
في إطار جلائنا عن سيناء بعد (اتفاقية كامب ديفد)، قبلنا إعادة تجمعاتنا السكنية فيها إلى المصريين، إضافة إلى مدينتي (أوفيرا) و(ياميت)، وكنت أدرك مدى التضحيات التي قدمتها العائلات عندما وافقت على السكن في هذه الأماكن المقفرة، ومدى الاضطراب النفسي الذي سيصيبها بعد قرار نقل سكانها، وعندما أنيط بي تنفيذ القرار تجرعت الكأس المرة.
وعرف سكان ياميت الحدودية أسوأ أيامهم، وكان يبلغ عددهم بضعة آلاف، وكانت البنى التحتية التي أنشأناها تلبي حاجات سكان يبلغ عددهم مئة ألف شخص، وكان يطالعك هناك كل ما هو ضروري لجعل الصحراء قابلة للسكن.
ولم تكن مصر أو إسرائيل ترغب في وقوع احتكاكات أو نزاعات حدودية بعد عقد اتفاقية السلام، فاقترحت في مجلس الوزراء تدمير مدينة (ياميت) بكل ما فيها من تجمعات تجارية أو صناعية، بدلاً من التخلي عنها للمصريين، وعندما لم أتلق معارضة باشرت التنفيذ فوراً، بعد إخلاء سكانها، ومحوتها حتى أصبحت رمالاً.
عارضت مشروع الحكم الذاتي:
عندما عرض (بيغن) على مجلس الوزراء مشروع الحكم الذاتي أشرت إلى الأخطار التي يتضمنها هذا المشروع، فهو قد يصبح في نظر الفلسطينيين وعد بلفور، وقد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ثانية (إضافة إلى الأردن).
تدابير احترازية:
علمتنا خبرتنا التاريخية أن التأصل في الأرض وحده قادر على تأمين حقوقنا، ففي اليهودية والسامرة لا تعني المستعمرات مشاريع زراعية، فالأرض الجبلية والصخرية في هذه المناطق لا تلائم مثل هذه المشاريع، علينا إذن بناء مجمعات سكنية مدنية ومناطق صناعية، ولا بد من العيش في هذه المرتفعات كأول تدبير احترازي.
أما التدبير الثاني فيتناول مسؤولية إسرائيل الحصرية في ضمان الأمن الداخلي وذلك بضمان حرية التنقل المطلقة للقبض على الإرهابيين، وضمان الأمن الخارجي لهذه الأراضي بأن تشغل القوات الإسرائيلية خط القمم المطلة على المنطقة ابتداءً من الضفة الغربية لنهر الأردن، وحظر دخول الشرطة أو رجال الحكومة الأردنيين أو المصريين.
تفسير مشروع الحكم الذاتي:
فسر مشروع الحكم الذاتي تفسيرين مختلفين: فالعرب رأوا في الحكم الذاتي مرحلة ستؤدي لا محالة إلى إقامة دولة فلسطينية ثانية، أما تفسير اليهود فكان ممنوحاً وبصراحة وبوجه خاص إلى سكان اليهودية والسامرة وغزة، فنحن لم نقبل قط بمنح الأراضي سيادتها، وفي حين يعتبر العرب أن الأردن وفلسطينيي الضفة الغربية وغزة يجسدون السلطة القانونية التابعة للحكومة المحلية، كنا نعتبر أن الإدارة المدنية الإسرائيلية وحدها تمثل قوة القانون، حتى وإن سحبت قواتها من هذه الأراضي.
تابع