كان بمدينه الرسول (ص) صحابي يدعى أبا قدامه الشامي وكان قد حبب اليه الله سبحانه وتعالي حب الجهاد فى سبيل الله والغزو الي بلاد الروم، فجلس يوما في مسجد رسول الله (ص) يتحدث مع أصحابه فقالو : يا أبا قدامه حدثنا بأعجب ما رأيت فى الجهاد؟.. فقال أني دخلت فى بعض السنين الرقه لاشترى جملا أحمل عليه السلاح فإذا يوما وانا جالسا دخلت علي أمرأه قالت لي يا أبا قدامه لقد سمعتك تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله وتحث عليه ولقد روزقت من الشعر مالم ترزق به غيري من النساء، ولقد قصعته وصنعت منه شكالا للفرس وعفرته بالتراب لكي لا ينظر اليه أحد، وقد أحببت أن تأخده معك فإذا صرت فى بلاد الكفار وجالت الابطال ورميت النبال وجردت السيوف وشرعت الاسنه ، فإن أحتجت أليه والا أدفعه الي من يحتاج اليه ليحضر شعرى ويصيبه الغبار فى سبيل الله ، فأنا إمرأه أرمله كان لي زوج وعشيره كلهم قتلو في سبيل الله ولو كان على الجهاد لاجاهدت.
وناولتنى الشكال، وقالت يا أعلم يا أبا قدامه أن زوجى قد ترك لي غلاما من أحسن الشباب وقد تعلم القرآن والفروسيه والرمي على القوس وهو قوام بليل صوام النهار وله من السنين خمسه عشر سنه وهو غائب في ضيعه قد خلفها له أبوه فلعله يقدم قبل مسيرك فأوجه معك هديه الى الله عز وجل وأنا أسألك بحرمه الاسلام ألا تحرمنى ما طلبت من الثواب.
وأخذت الشكال منها فإذا هو مضفور من شعرها ، وقالت : ألقه في بعض رحالك وانا أنظر إليه لكي يطمئن قلبى، فطرحته فى رحالي.وخرجت من الرقه ومعي اصحابى، فلما صرنا عند حصن مسلمه بن عبد الملك فإذا بفارس يهتف من ورائي يا أبا قدامه قف علي قليلا يرحمك الله، فقلت لاصحابى تقدمو حتى أنظر من هذا، فإذا بفارس قد دنى منى وعانقني وقال : الحمد لله الذى لم يحرمنى صحبتك ولم يردني خائبا .قلت للصبي أسفر لى عن وجهك، فإن كان يلزم مثلك غزو أمرتك بالمسير ،وإن لم يلزم رددتك، فأسفر عن وجهه فإذا بغلام كأنه القمر فى ليله البدر وعليه أثار النعمه.
فقلت للصبى : الك والد . فقال : لا لقد بل أنا خارج معك لاطلب ثأر والدى لانه أستشهد فلعل الله يرزقنى الشهاده كما رزق أبى . فقلت ألك والده فقال : نعم فقلت أذهب فاستأذن منها . والا فأقم عندها فطاعتك اليها أفضل من الجهاد فالجنه تحت ظلال السيوف وتحت أقدام الامهات . فقال : يا أبا قدامه أما تعرفني فقلت: لا فقال: أنا بن صاحبه الوديعه ، ما أسرع أن نسيت وصيه أمي صاحبه الشكال، وأنا إن شاء الله الشهيد بن الشهيد، سألتك بالله الا تحرمنى الغزو معك فى سبيل الله ، فأنى حافظ بكتاب الله عارف بسنه رسوله (ص) عارف بالفروسيه والرمي وما خلفت ورائي أفرس منى فلا تحقرني لصغر سنى وإن أمي قد أقسمت على الا أرجع ، وقالت : يا بنى إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدبر وألقى نفسك لله وأطلب مجاوره الله تعالي ومجاوره أبيك مع أخوانك الصالحين فى الجنه وإذا رزقك الله الجنه فاشفع في فإنه قد بلغنى أن الشهيد يشفع فى سبعين من أهله وسبعين من جيرانه ثم ضمتني الى صدرها ورفعت رأسها للسماء وقالت: إالهى وسيدي ومولاي هذا ولدى وريحانه قلبى وثمره فؤادى سلمته إليك فقربه من أبيه.
فلما سمعت الكلام بكيت بكاء شديدا أسفا على حسنه وشبابه ورحمه على قلب والدته وتعجبا عن صبرها عنه. فقال: يا عم مم بكاؤك؟ إن كنت تبكي على صغر سنى فإن الله يعذب من هو أصغر منى أذا عصاه . قلت : لم أبكى على صغر سنك ولكن أبكى على قلب والدتك كيف تكون بعدك .
وسرنا ونزلنا تلك الليله واذا الغلام لا يفتر من ذكر الله تعالي فلما كان الغداه رحلنا فإذا بالغلام أفرس منا أذا ركب وخادمنا وأذا نزلنا مترلا وسار كلما سرنا يقوي عزمه ويزداد نشاطه ويصفو قلبه وتزداد علامه الفرح عليه . فلما نزلنا سائرين حتى أشرفنا على ديار المشركين عند غروب الشمس فنزلنا واذا الغلام جلس يطبخ لنا إفطارنا وكنا صياما ، فغلبه النعاس فنام نومه طويله فإذا به يبتسم فى نومه فقلت لاصحابى ألا ترون إلى ضحك الغلام فى نومه فإذا أستيقظ فقلت له يا بنى أنى رأيتك الساعه ضاحكا مبتسما فى منامك، فقال رأيت رؤيا فأعجبتنى وأضحكتني، قلت : ماهي فقال: رأيت كأنني فى روضه خضراء أنيقه أجول فيها فإذا رأيت فيها قصرا من الفضه شرفه من الدر والجوهر ، وأبوابه من الذهب وستائره مرخيه وإذا بجوارى يرفعن الستور وجوهن كالاقمار ولما رأونى قالن مرحبا بك فأردت أن أمد يدىألى أحداهن فقالت : لاتعجل ما آن لك . وسمعت بعضهن يقول لبعضهن هذا زوج المرضيه قلن لى تقدم يرحمك الله فتقدمت أمامى فإذا في أعلى القصر غرفه من الذهب الاحمر عليها سرير من الزبرجد الاخضر قوامه من الفضه البيضاء عليه جاريه وجهها كأنه الشمس لولا أن الله ثبت على بصرى لذهب وذهب عقلى من حسن الغرفه وبهاء الجاريه ، فلما رأتنى فقالت: اهلا وسهلا يا ولى الله وحبيبه أنت لى وأنا لك وأردت أن أضمها ألى صدرى فقالت مهلا :لا تعجل فإنك بعيد من الخنا وإن الميعاد بينى وبينك غدا بعد صلاه الظهر فأبشر.
قال أبا قدامه : رأيت خيرا وخيرا يكون, ثم بتنا متعجبين من منام الغلام ، فلما أصبحنا تبادرنا فركبنا خيولنا وإذا المنادى ينادى يا خيل الله أركبى وبالجنه أبشرى ، أنفرو خفاف وثقالا وجاهدوا. فما كان الاساعه،وإذا جيش الكفار خذله الله قد أقبل كالجراد المنتشر فكان أول من حمل فيهم فبدد شملهم وفرق جمعهم وغاص فى وسطهم فقتل منهم رجالا وجندل أبطالا فلما رأيته كذلك لحقته وأخت بعنان فرسه فقلت له يا بنى أرجع فأنت صبى ولا تعرف خدع الحرب . فقال : ياعم الم تسمع قول الله تعالي : (يا أيها الذين أمنوا أذا لقيتم الذين كفرو زحفا فلا تولوهم الادبار ) . أتريد أن أدخل النار . فإذا هو يكلمنى أذ حمل علينا المشركون حمله رجل واحد حالو بينى وبينه وأنشغل كل منا بنفسه ، وقتل خلق كثير من المسلمين . وعندما أفترق الجمعان فإذا القتلى لا يحصون عددا فجعلت أجول بين القتلى ودمائهم تسيل على الارض والوجوه لاتعرف من كثره الدماء والغبار ، فبيناما انا اجول فإذا بغلام بين سنابك الخيل قد علاه الغبار والدماء، يقول : يا معشر المسلمين بالله أبعثو لى عمى أبا قدامه فلما سمعت صياحه أقبلت عليه ولم أعرف وجهه من كثره الدماء والغبار ودوس الدواب وقلت له أنا أبا قدامه فقال: ياعم قد صدقت الرؤيا ورب الكعبه أنا بن صاحبه الشكال ، فعندها رميت بنفسى عليه وقبلت بين عينيه ومسحت الدم والتراب عن محاسنه وقلت : لاتنسى عمك أبا قدامه في شفاعتك يوم القيامه فقال: مثلك لا ينسى لا تمسح وجهى بثوبك ثوبى احق به من ثوبك ، دعه يا عم القى الله سبحانه به ، يا عم أتذكر هذه الحوراء التى وصفتها لك قائمه على رأسى تنتظر خروج روحى وتقول لى : عجل فأنا مشتاقه اليك ، يالله ياعم أذا ردك الله سالما فاحمل ثيابى هذه الملطخه بالدم الى والدتى الثكلاء الحزينه لتعلم أنى لم أضيع وصيتها ولم أجبن عند لقاء المشركين ، وأقرأ منى السلام عليها وقل لها إن الله قد قبل الهديه التى أهيتيها اليه ، ولى يا عم أخت صغيره لها من العمر عشر سنين كلا دخلت أستقبلتنى تسلم على وأذا خرجت كانت أخر من يودعنى عند مخرجى ، وقد قالت لى : بالله يا أخى لا تبط عنا فإذا لقيتها فاقرأ منى عليها السلام وقل لها يخبركى أخيكى : الله خليفتى عليك ليوم القيامه ، ثم تبسم وقال أشهد أن لاإله إلا الله صدق وعده وأن محمد عبده ورسوله هذا ما وعدنا به الله ورسوله وصدق الله ورسوله. ثم خرجت روحه فكفناه وواريناه رضى الله عنه وعنا به .
وعندما عدنا الى الرقه لم تكن لى همه الا دار الغلام فإذا جاريه تشبه الغلام فى حسنه واقفه بالباب تسأل كل من مر بها ياعم من أين جئت يقول من الغزو تقول له أما رأيت أخى فيقولون لانعرفه ، فتقدمت اليها فقالت: ياعم من أين جئت فقلت من الغزو فقالت ألم يعود أخى وبكت وقالت ما أبالى يرجعون وأخى لا يرجع فغلبتنى العبره . فقلت لها : يا جاريه قولى لصاحبه البيت أن ابا قدامه بالباب، فسمعت المرأه كلامى فخرجت وقد تغير لونها فسلمت عليها فردت السلام وقالت أمبشرا جئت أم معزيا ، فقلت : بينى لى البشاره من التعزيه يرحمك الله
فقالت: إن ولدى عاد سالما فأنت معز وأن أستشهد فى سبيل الله فأنت مبشر فقلت أبشرى فقد قبلت هديتك فبكت الام وقالت الحمد لله الذى جعله زخيره الى يوم القيامه واما الجاريه فصرخت مغشيا عليها وعندما حاولت افاقتها فأذا هى ميته فتعجبت من أمر الله ومن صبر امهما وسلمتها الثياب وغادرت
موضوع: قصه غلام 
الأربعاء مارس 04, 2009 10:49 am
